إن للإمام ( عليه السلام ) رسالة معروفة باسم رسالة الحقوق ، أوردها الشيخ الصدوق في خصاله بسند معتبر ، ورواها الحسن بن شعبة في تحف العقول مرسلة ، وبين النقلين اختلاف يسير . وهي من جلائل الرسائل في أنواع الحقوق ، قال الإمام ( عليه السلام ) فيها
:
)حق الله الأكبر عليك أن تعبده ولا تشرك به شيئا ، فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة .
وحق نفسك عليك أن تستعملها بطاعة الله عز وجل .
وحق اللسان إكرامه عن الخنا وتعويده الخير وترك الفضول التي لا فائدة لها ، والبر بالناس ، وحسن القول فيهم .
وحق السمع تنزيهه عن سماع الغيبة وسماع ما لا يحل سماعه .
وحق البصر أن تغضه عما لا يحل لك ، وتعتبر بالنظر به .
وحق يديك أن لا تبسطهما إلى ما لا يحل لك .
وحق رجليك أن لا تمشي بهما إلى ما لا يحل لك ، فبهما تقف على الصراط ، فانظر أن لا تزل بك فتردى في النار .
وحق بطنك أن لا تجعله وعاء للحرام ، ولا تزيد على الشبع .
وحق فرجك عليك أن تحصنه من الزنا ، وتحفظه من أن ينظر إليه .
وحق الصلاة أن تعلم أنها وفادة إلى الله عز وجل وأنت فيها قائم بين يدي الله فإذا علمت ذلك قمت مقام العبد الذليل الحقير الراغب الراهب الراجي الخائف المستكين المتضرع المعظم لمن كان بين يديه بالسكون والوقار ، وتقبل عليها بقلبك وتقيمها بحدودها وحقوقها .
وحق الحج أن تعلم انه وفادة إلى ربك وفرار إليه من ذنوبك ، وفيه قبول توبتك ، وقضاء الفرض الذي أوجبه الله عليك .
وحق الصوم أن تعلم انه حجاب ضربه الله عز وجل على لسانك وسمعك وبصرك وبطنك وفرجك يسترك به من النار ، فان تركت الصوم خرقت ستر الله عليك .
وحق الصدقة أن تعلم أنها ذخرك عند ربك ووديعتك التي لا تحتاج إلى الإشهاد عليها ، وكنت بما تستودعه سرا أوثق منك بما تستودعه علانية ، وتعلم أنها تدفع عنك البلايا والأسقام ، في الدنيا وتدفع عنك النار في الآخرة .
وحق الهدي أن تريد به الله عز وجل ، ولا تريد خلقه ولا تريد به إلا التعرض لرحمته ونجاة روحك يوم تلقاه .
وحق السلطان أن تعلم أنك جعلت له فتنة ، وأنه مبتلى فيك بما جعل الله له عليك من السلطان ، وأن عليك أن لا تتعرض لسخطه ، فتلقي بيدك إلى التهلكة وتكون شريكا له فيما يأتي إليك من سوء .
وحق سائلك بالعلم التعظيم له ، والتوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والإقبال عليه ، وأن لا ترفع عليه صوتك ، ولا تجيب أحدا يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب ، ولا تحدث في مجلسه أحدا ، ولا تغتاب عنده أحدا ، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء ، وأن تستر عيوبه وتظهر مناقبه ، ولا تجالس له عدوا ولا تعادي له وليا ، فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بأنك قصدته ، وتعلمت علمه لله جل اسمه لا للناس .
وأما حق سائلك بالملك فأن تطيعه ولا تعصيه ، إلا فيما يسخط الله عز وجل فانه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
وأما حق رعيتك بالسلطان فأن تعلم أنهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوتك ، فيجب أن تعدل فيهم ، وتكون لهم كالوالد الرحيم ، وتغفر لهم جهلهم ، ولا تعاجلهم بالعقوبة ، وتشكر الله عز وجل على ما أتاك من القوة عليهم .
وأما حق رعيتك بالعلم فان تعلم أن الله عز وجل إنما جعلك قيما عليهم فيما أتاك من العلم ، وفتح لك من خزانته ، فان أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم زادك الله من فضله ، وإن أنت منعت الناس علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك ، كان حقا على الله عز وجل أن يسلبك العلم وبهائه ، ويسقط من القلوب محلك .
وأما حق الزوجة فأن تعلم أن الله عز وجل جعلها لك سكنا وأنسا ، فتعلم أن ذلك نعمة من الله عز وجل عليك فتكرمها وترفق بها ، وإن كان حقك عليها أوجب فان لها عليك أن ترحمها ، لأنها أسيرك ، وتطعمها وتكسوها ، وإذا جهلت عفوت عنها .
وأما حق مملوكك فأن تعلم أنه خلق ربك ، وابن أبيك وأمك ولحمك ودمك لم تملكه لأنك صنعته دون الله ، ولا خلقت شيئا من جوارحه ، ولا أخرجت له رزقا ، ولكن الله عز وجل كفاك ذلك ، ثم سخره لك وأتمنك عليه واستودعك إياه ليحفظ لك ما تأتيه من خير إليه ، فأحسن إليه كما أحسن الله إليك ، وإن كرهته استبدلت به ولم تعذب خلق الله عز وجل ولا قوة إلا بالله .
وأما حق أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحدا ، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحدا ، ووقتك بجميع جوارحها ، ولم تبال أن تجوع وتطعمك وتعطش وتسقيك ، وتعرى وتكسوك وتضحى وتظلك ، وتهجر النوم لأجلك ووقتك الحر والبرد لتكون لها ، وأنك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه .
وأما حق أبيك فأن تعلم أنه أصلك فانه لولاه لم تكن ، فمهما رأيت من نفسك ما يعجبك فاعلم أن أباك اصل النعمة عليك فيه ، فاحمد الله واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلا بالله .
وأما حق ولدك فأن تعلم انه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره ، وإنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب ، والدلالة على ربه عز وجل ، والمعونة على طاعته ، فاعمل في أمره عمل من يعلم انه مثاب على الإحسان إليه ، معاقب على الإساءة إليه .
وأما حق أخيك فان تعلم انه يدك وعزك وقوتك فلا تتخذه سلاحا على معصية الله ، ولا عدة للظلم لخلق الله ، ولا تدع نصرته على عدوه والنصيحة له ، فان أطاع الله وإلا فليكن الله اكرم عليك منه ، ولا قوة إلا بالله .
وأما حق مولاك المنعم عليك فأن تعلم انه انفق فيك ماله ، وأخرجك من ذل الرق ووحشته إلى عز الحرية وانسها فأطلقك من اسر الملكة ، وفك عنك قيد العبودية ، وأخرجك من السجن ، وملكك نفسك ، وفرغك لعبادة ربك ، وتعلم انه أولى الخلق بك في حياتك وموتك ، وأن نصرته عليك واجبة بنفسك ، وما احتاج إليه منك ، ولا قوة إلا بالله .
وأما حق مولاك الذي أنعمت عليه فأن تعلم أن الله عز وجل جعل عتقك له وسيلة إليه وحجابا لك من النار ، وان ثوابك في العاجل ميراثه إذا لم يكن له رحم مكافاة لما أنفقت من مالك ، وفي الآجل الجنة .
وأما حق ذي المعروف عليك فان تشكره وتذكر معروفه ، وتكسبه المقالة الحسنة ، وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله عز وجل ، فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا وعلانية ، ثم أن قدرت على مكافاته يوما كافيته .
وأما حق المؤذن أن تعلم انه مذكر لك ربك عز وجل ، وداع لك إلى حظك وعونك على قضاء فرض الله عز وجل عليك ، فاشكره على ذلك شكر المحسن إليك .
وأما حق إمامك في صلاتك فان تعلم انه تقلد السفارة فيما بينك وبين ربك عز وجل ، وتكلم عنك ولم تتكلم عنه ، ودعا لك ولم تدع له ، وكفاك هول المقام بين يدي الله عز وجل ، فان كان نقص كان به دونك ، وإن كان تماما كنت شريكه ، ولم يكن له عليك فضل فوقى نفسك بنفسه ، وصلاتك بصلاته ، فتشكر له على قدر ذلك
|